جديد انفو - متابعة
تتفاقم التوترات بين المغرب والجزائر، وهذه المرة ليس بسبب السياسة أو الحدود، بل بسبب المياه. وفقا لما أوردته صحيفة “لوموند”، فقد أصبح وادي كير، الذي يمتد من أعالي الأطلس في المغرب إلى الجنوب الغربي الجزائري، محور نزاع جديد بين البلدين، وسط اتهامات متبادلة حول استغلال الموارد المائية.
منذ تشغيل سد قدوسة في المغرب عام 2021، تصاعدت حدة التوترات، حيث اتهمت الجزائر الرباط بتعمد تقليص تدفق المياه إلى أراضيها. وذكرت الصحيفة الباريسية أن الجزائر نقلت القضية إلى الساحة الدولية مرتين على الأقل، حيث أشار وزير الموارد المائية الجزائري طه دربال في منتدى بالي العالمي للمياه عام 2024 إلى أن “المغرب يقوم بتجفيف بعض المناطق الحدودية بشكل متعمد”، وهي تصريحات كررها لاحقا في اجتماع دولي في سلوفينيا، متهما الرباط بعرقلة تدفق المياه عبر الحدود. ولم تتوقف الجزائر عند هذا الحد، بل واصلت تصعيد خطابها عبر وسائل الإعلام المحلية.
في قلب هذا الجدل يقف سد قدوسة المغربي، الذي تبلغ سعته 220 مليون متر مكعب، والذي يُزعم أنه مسؤول عن تقليص تدفق المياه إلى سد الجرف الأصفر الجزائري، أحد أكبر السدود في الجزائر بسعة 365 مليون متر مكعب، والذي تم بناؤه في أواخر الستينيات. وتحدثت تقارير إعلامية جزائرية عن “كارثة بيئية” بسبب تناقص منسوب المياه في هذا السد، مما أدى إلى نفوق الأسماك وهجرة الطيور المهاجرة، وهو ما أثار غضب السكان المحليين الذين يعانون من نقص حاد في المياه، حيث أوردت صحيفة “الوطن” الجزائرية أن بعض الأحياء في بشار لا تحصل على المياه إلا مرة كل عشرة أيام.
على الجانب الآخر، لم تتأخر وسائل الإعلام المغربية في الرد، إذ وصفت المواقع المقربة من الحكومة الاتهامات الجزائرية بأنها “عبثية”، مشيرة إلى أن السلطات الجزائرية تحاول التغطية على سوء إدارتها للأزمة المائية. حيث وصفت بعض الصحف الموقف الجزائري بـ”الهوس المرضي بالمغرب”، بينما ذهبت أخرى إلى القول بأن الجزائر “تسيس كل شيء، حتى نشرات الطقس”.
من الناحية العلمية، يرى خبراء أن تأثير السد المغربي على تدفق المياه إلى الجزائر نسبي، حيث نقلت “لوموند” عن باحث فرنسي، طلب عدم الكشف عن هويته، أن المغرب كان يستغل حوالي 8 ملايين متر مكعب من مياه الوادي سنويا قبل بناء السد عبر أنظمة الري التقليدية، أما الآن فقد ارتفع الرقم إلى 30 مليون متر مكعب سنويا. ومع ذلك، يشير نفس الباحث إلى أن وادي كير يتلقى روافد أخرى تعوض جزئيا هذا النقص، مما يجعل الخسائر الجزائرية محدودة نسبيا.
في الواقع، تعاني الجزائر والمغرب على حد سواء من موجات جفاف متكررة أدت إلى انخفاض مستويات المياه في السدود، حيث يؤكد الخبير المغربي فؤاد عمراوي أن “التساقطات المطرية في المنطقة تكاد تكون منعدمة خلال السنوات الأخيرة، مما جعل الأودية تجف بشكل شبه كامل”. وفي هذا السياق، كشف تقرير الصحيفة الفرنسية أن سد قدوسة لم يكن ممتلئا سوى بنسبة 10 بالمائة منذ إنشائه، ولم يرتفع هذا المعدل إلا في شتنبر 2024 عندما بلغت نسبة امتلائه 28 بالمائة بفعل الأمطار الغزيرة.
وراء هذه المعركة حول المياه، تكمن رهانات اقتصادية مهمة لكلا البلدين. ففي الجزائر، تعتمد مشاريع صناعية كبيرة، مثل المجمع الحديدي الضخم قرب بشار، على توفر المياه، إذ يحتاج هذا المشروع إلى كميات هائلة منها لمعالجة خام الحديد القادم من منجم غار جبيلات في تندوف. وكان هذا المنجم قد شكل في السبعينيات نقطة توافق نادرة بين البلدين حين اتفق الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس هواري بومدين على استغلاله بشكل مشترك. إلا أن الجزائر اليوم تمضي قدما في استغلاله بشكل منفرد، عبر خط سكة حديد يبلغ طوله 950 كيلومترا يتم إنشاؤه بالتعاون مع شركات صينية.
أما المغرب، فيواصل رهانه على الزراعة، خاصة في منطقة بودنيب الواقعة أسفل سد قدوسة، حيث تشهد المنطقة توسعا كبيرا في زراعة النخيل عبر مزارع ضخمة ومجمعات مائية اصطناعية، مما يعكس تحولا كبيرا في استخدام الأراضي هناك.
بينما يتصاعد الجدل حول “حرب المياه”، تبقى الحقيقة الثابتة أن كلا البلدين يواجهان أزمة مائية متفاقمة تستدعي تعاونا إقليميا أكثر من التنافس السياسي. فالمياه لا تعرف الحدود، وحلول مثل تقاسم الموارد بشكل عادل أو تبني مشاريع مشتركة قد تكون أكثر فاعلية في مواجهة تحديات التغير المناخي والجفاف المتزايد.
المصدر: لوموند